img
تعز
  • السبت, 24 سبتمبر, 2022, 03:06 م

خاص




لعبت محافظة تعز دوراً نضالياً رائداً في صناعة ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م بما امتلكته من مقومات تأريخية وثقافية أهلتها لتكون بوصلة الثورة وقبلة الأحرار التي تهوي إليها افئدة المناضلين، ومصنع الفعل الثوري الذي تفجرت براكينه بوجه التسلط، وطوت صفحات مظلمة من تأريخ اليمن عانى فيها الشعب اليمني صوراً مزرية من الاستبداد والاستعمار والبؤس والتخلف والجهل والمرض.

كان لمحافظة تعز (جنوبي غرب اليمن) السبق في تأسيس نواة العمل الوطني والفعل الثوري المنظم على أسس حديثة، وإثارة عملية التغيير المختزلة في الذهنية اليمنية، حيث تصدرت منذ ثلاثينات القرن الماضي الدعوة إلى الثورة ومقاومة الحكم الملكي الإمامي في شمال اليمن، ومنذ منتصف الخمسينيات كان أبناء تعز في طليعة القوى المقاومة للاحتلال الأجنبي في جنوب اليمن المحتل.


البعد الجغرافي والاستراتيجي

تمتلك تعز موقعا جغرافياً متميزا يسمح لها بالتواصل مع كل الأحرار من بقية المحافظات اليمنية، التقى فيها الثوار من كل أرجاء الوطن، حيث مثل ميناء المخاء الاستراتيجي متنفس للثوار استطاعوا من خلاله التواصل الخارجي.


وساعدها "مضيق باب المندب" التحكم بطرق التجارة العالمية وخط الحرير الممتد في البحر الأحمر والبحر العربي، والتنقل والسفر والتجارة وجلب البضائع إلى تعز، والانفتاح الباكر على العالم في ظل الرجعية التي تسود البلد.

يقول البردوني في كتابه "اليمن الجمهوري" :
كانت تعز شديدة الاختلاف عن صنعاء بنزوعها التجاري وكثرة خيوط اتصالها بعدن المحتلة آنذاك وبسائر الأقطار المنتجة للبضائع أو المصدرة لها.

ويضيف البردوني لهذا كانت تعز أصح مناخا من غيرها لتتبع جديد الأخبار وجديد المعامل وبحكم طلب المنافع توافدت إليها الجموع من القواعد المحافظة كصعدة وشهارة وحجة والقفلة وغيرها.

 البعد التأريخي  

اكتسبت تعز أهميتها الاستراتيجية لصناعة تأريخ مشرق لليمنيين تُوّج في ثورة سبتمبر 1962، من بعدها التأريخي العريق، حيث لعبت دوراً مهماً عبر تاريخ اليمن في المراحل القديمة ومن المدن التي نشأت في الفترة الإسلامية مع زبيد وجبلة، وكذا في العصر الحديث.

وبلغت أوج مجدها عندما كانت عاصمة للدولة الرسولية 230 عاماً، ثم عاصمة للدولة الطاهرية، حتى أسقطها الإمام الزيدي المتوكل يحيى شرف الدين سنة 1517 بالتعاون مع المماليك، وأصبحت بعد انسحاب العثمانيين عاصمة  المملكة المتوكلية اليمنية.

وفي تعز قاد المناضل أحمد بن يحيى الثلايا سنة 1955 انقلاباً على الإمام أحمد حميد الدين وحاصر قصره في تعز لعشرة أيام، ومنها أيضاً اندلعت ثورة 26 سبتمبر.


ويؤكد محمد اليازلي في كتابه " من الثورة البكر إلى الثورة الأم" ان الحركة الوطنية اليمنية تشكلت في تعز منتصف الخمسينات قبل غيرها، وقد تكونت الجمعية الوطنية الثورية الديمقراطية أوائل 1958م وتشكلت لجنتها التأسيسية من 15 عضوا من العسكريين والمدنيين والمشايخ والتجار"

البعد الثقافي

تحولات ثقافية جعلت من تعز بحكم موقعها المجاور لمدينة عدن وهجرة أبنائها في أرجاء المعمورة، وتوافد الكتب والمجلات والصحف وانتشار المذياع والأغنية، الدور الفاعل لمحاربة الجهل وزراعة بذور التغيير في مناطقهم وتفاعل بقية المناطق مع تلك الأفكار والطموحات.

وكان الأستاذ أحمد محمد نعمان قد أسس مدرسة في ذبحان، كما أسس ناديا ثقافيا حتى أصبح للمدرسة والنادي الثقافي صدى واسع في ذبحان والحجرية كلها لإسهامهما في خلق حراك ثقافي نشط في تلك المنطقة مما أدى إلى إقلاق سلطات الإمام من إنتشار ذلك الحراك ومخاطره على النظام.


التجار ورجال المال  

يعتبر التجار القاعدة التي استند عليها الأحرار بل هم الشرنقة التي تلتف حولهم لتحمي حركتهم وتمدهم بالدعم السخي والتبرعات لمساعدتهم في شراء الأسلحة والذخائر وطباعة المنشورات الثورية والتوعية،  ودعم التحركات والعمليات الفدائية.

وكانوا يستضيفون الأحرار أياما طويلة حين تضطرهم ظروفهم السياسية للخروج من اليمن فرارا من اضطهاد الإمام.

ومن أبرز التجار ورجال المال عبدالغني مطهر أحد أكبر تجار تعز ثراء واستقراراً ومن أوائل من اتصل في 1945م بالمجموعة الوطنية، قام بأعمال وطنية يشهد لها التاريخ فقد كان همزة وصل ومرجعا في الكثير من الأعمال التي يقوم بها زملاؤه وفي عام 1957م عاد إلى أرض الوطن وبدأ الكفاح من الداخل إلى أن بزغت شمس الثورة في عام 1962م.

ومنهم الشيخ عبدالقوي حاميم الذي أسس أول شركة للمحروقات اليمنية في الخمسينات كان من أعضاء اللجنة التأسيسية في تعز التي تشكلت في 1958م بهدف التخلص من الإمام وأعوانه.
وعلي محمد سعيد وبيت هائل سعيد ، ومنهم جازم الحروي والحاج غالب سعيد صالح ومطهر سعيد صالح وأحمد عبده ناشر وعبدالقوي الخرباش وأحمد العبسي ومحمد مهيوب ثابت، والشيخ ناشرعبد الرحمن العريقي، ومحمد مهيوب ثابت ومحمد قائد سيف، وشايف محمد سعيد
يوسف ثابت سعيد، واحمد هائل سعيد وغيرهم ممن شكلوا رافداً قوياً لاسناد الثوار ودعم تحركات الأحرار.

هوية وطنية ونزعة وحدوية
 
ظهر جلياً وعبر المسار الوطني لأبناء تعز أن مشاركتهم في الحياة العامة والحياة السياسية والاقتصادية والثقافية شأن وطني خالص يتطابق مع هويتهم الوطنية ونزعتهم الوحدوية التي يشاركهم فيها أشقاؤهم في جنوب البلاد.

وأنهم لم يتوحدوا في المغانم وإنما في المغارم،  لذلك لم ينظروا في يوم من الأيام إلى أن المحافظات الجنوبية تختلف عن بقية المحافظات الشمالية في النضال ومواجهة التسلط.


الدور السياسي والثوري لأبناء تعز

الوعي السياسي المبكر والهوية الوطنية الجامعة وواحدية النضال، الذي امتلكه أبناء تعز، والشعور بأهمية تحطيم القيود المكبلة للشعب اليمني، شكل قاعدة صلبة وضع ثوار 26 سبتمبر أقدامهم عليها.

فكانت تعز الملاذ الآمن لتشكيل نواة الثورة وخليتها الأولى من مجاميع شجاعة من الضباط الأحرار والمدنيين والتجار في مطلع عام 1958، والتي استقطبتهم من كل أرجاء الوطن، واستمرت حتى تاريخ انطلاق ثورة 26 سبتمبر سنة 1962م.

هدف تشكيل خلية الأحرار هو دراسة الأوضاع وكيفية تغييرها، والعمل على تحرير الوطن من حكم الأئمة والتواصل مع الخلايا الثورية من كل أنحاء الوطن والخارج،  إضافة إلى توعية الشعب من خلال المنشورات الثورية وجمع التبرعات من التجار، والقيام بعمليات فدائية في الأماكن التي يتواجد فيها الإمام وأعوانه.
    
فقد تحولت تعز إلى خلية نحل تجمع الأحرار
من كل ربوع الوطن ليقوم كل بدوره في الوديان والمدن والمناطق في التوعوية وإعداد المنشورات الثورية وتوزيعها واستقبالها من الخارج، والاتصال بالأحرار في بقية المحافظات والتواصل مع اعوان الإمام لمعرفة خططه ونواياه،  وتنظيم اللقاءات السرية ودراسة الخطط الاستراتيجية للثوار،  والتي توجت بثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م.


وبعد نجاح ثورة سبتمبر بقيت تعز حصنا للجمهورية فقد لعب ابناؤها دورا بارزاً في حماية الجمهورية من السقوط عند عودة الملكيين لحصار صنعاء 1967م فجندت تعز الآلاف من أبنائها وأرسلتهم للمشاركة في فك الحصار على صنعاء وحماية مشروع الجمورية.

وما تزال تعز تروي شجرة سبتمبر وتغذي الجمهورية بدماء أبنائها الزكية،  دفاعاً عن مشروع الدولة والنظام الجمهوري، ومواجهة الانقلاب الكهنوتي المستهدف لثورة سبتمبر المجيدة على أيدي مليشيا الحوثي المدعومة من إيران.